هل هذا الحديث صحيح ومرفوع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اذاهبت الفتن فعليكم باليمن) فساله أحد الصحابة رضي الله عنهم فقال: يارسول الله وإذا هبت باليمن؟ فقال: سيطفها الله؟
الجواب:
بيان حال حديث:
(إذا هاجت الفتن فعليكم بأرض اليمن)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيباً مباركًا فيه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد:
فهذا حديث موضوع لا أصل له عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكره ابن الديبع في كتابه “قرة العيون بأخبار اليمن الميمون” (ص/28) فقال:
عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا هاجت الفتن فعليكم باليمن فإنها مباركة)
وعن جابر ب عبد الله يرفعه: (ترجع ثلثا بركة الدنيا إلى اليمن من كان هاربًا من الفتنة فإليه يهرب ـ يعني: اليمن ـ فإن العبادة فيه ترضي الله الأكبر).
وعن أبي سعيد يرفعه: (عليكم باليمن إذا هاجت الفتن فإن قومه رحماء، وإن أرضه مباركة للعبادة فيه أجر كبير).
وهذه الأحاديث لم أجد لها أصلا بعد البحث والنظر في الكتب المسندة من المسانيد والمعاجم والأجزاء الحديثية.
وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في “أحاديث القصاص” (62) في الأحاديث الموضوعة وقال: موضوع. ونقله عنه السيوطي في “ذيل اللآلئ المصنوعة” (1055) بلفظ: (إذا كثرت الفتن فعليكم بأطراف اليمن).
وسئل شيخ الإسلام عنه كما في “مجموع الفتاوى” (18/384) فقال: هذا اللفظ لا يعرف.
ونقله ابن عراق في “تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة” (2/351) (23) ونقل عن شيخ الإسلام بأنه وصفه بالوضع. ونقله الفتني الهندي في “تذكرة الموضوعات” (222). ونقله محمد الأزهري في “تحذير المسلمين من الأحاديث الموضوعة على سيد المرسلين” (88) ونقله مرعي الكرمي في “الفوائد الموضوعة في الأحاديث الموضوعة” (159) ونُقل في “موسوعة الأحاديث والآثار الضعيفة والموضوعة” (1958) ولم يذكره أحد من أهل العلم بقوة ولا يعرف له سند ولا أصل يرجع إليه.
والثابت من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم عند الفتن:
الحث على نزول الشام وإن لم فاليمن؛ فعن عبد الله بن حوالة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنودا مجندة جند بالشام وجند باليمن وجند بالعراق. قال ابن حوالة: خر لي يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ فقال: عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه يجتبى إليها خيرته من عباده فأما إن أبيتم فعليكم بيمنكم واسقوا من غدركم فإن الله توكل لي بالشام وأهله. والحديث صحيح بطرقه، أخرجه أبو داود (2483) وأحمد (17005) والطبراني في مسند الشاميين (1172) ومن طريقه الضياء في المختارة (9/231) من طريق حيوة بن شريح حدثنا بقية حدثني بحير عن خالد بن معدان عن أبي قتيله عن ابن حوالة به، وهذا السند فيه بقية يدلس تدليس التسوية ولم يصرح في شيخ شيخه وأبو قتيلة هو مرثد بن وداعة مختلف في صحبته وقد روى عنه جمع وذكره ابن حبان في الثقات.قال شيخنا الإمام مقبل الوادعي في كتابه الفذ “الصحيح المسند من دلائل النبوة” (رقم/731): حديث حسن.
وللحديث طرق منها:
1 – ما أخرجه ابن حبان (7306) والحاكم (4/510) من طريق سعيد بن عبد العزيز عن مكحول عن أبي إدريس الخولاني عن عبد الله بن حوالة وسنده صحيح.
2 – ما أخرجه الفسوي في “المعرفة” وابن أبي عاصم في “الآحاد والمثاني” (2295) والطحاوي في “شرح المشكل” (1114) والبيهقي (9/179) وغيرهم من طريق يحيى بن حمزة الحضرمي عن نصر بن علقمة الحضرمي يرده إلى جبير بن نفير عن عبد الله بن حوالة به ونحوه، وصرّح نصر بسماعه من عبد الرحمن بن جبير بن نفير، وهو ثقة، فالسند صحيح.
3 – ما أخرجه الدولابي في “الكنى” (2/72) والطبراني في “مسند الشاميين” (601) وغيرهما من طريق صالح بن رستم عن عبد الله بن حوالة وصالح مجهول حال.
4 – ما أخرجه الطبراني في الكبير (18/251) (627) من طريق محمد بن حميد حدثنا فضالة بن شريك عن خالد بن معدان عن العرباض بن سارية فذكره بنحوه، وذكر سؤال ابن حوالة وهذا سند ضعيف، فضالة بن شريك مجهول ومحمد بن حميد إن كان هو الرازي فهو ضعيف جدًّا.
وللحديث شواهد:
الأول: عن أبي الدرداء أخرجه البزار كما في “كشف الأستار” (3/323) (2851) والطبراني في “مسند الشاميين” (2217) وسنده حسن.
الثاني: عن واثلة بن الأسقع رواه الطبراني في “الكبير” (12/58) (138) وسنده مطروح وله سند آخر عند الطبراني (138) أيضا مطروح.
الثالث: عن ابن عمر أخرجه الطبراني في الأوسط (3863) والبزار كما في كشف الأستار (3/323) (2152) وفي سنده عبد الله بن مساحق ترجمه البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا وذكره ابن حبان في الثقات.
وأخرج الفسوي في المعرفة (2/291-300، 523) والحاكم (4/509) وابن عساكر (1/91-95) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي فنظرت فإذا هو نور ساطع عمد به إلى الشام ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام) وهو حديث صحيح وصححه العلامة الألباني في تخريج أحاديث فضائل الشام (3) وبسط طرق شواهده في “انيس الساري” (1781، 1782) وفي بعض ألفاظه: (وإني أولت الفتن إذا وقعت أن الأمان بالشام) وفي لفظ: أن الإيمان بالشام.
وصحت أحاديث تبين أن على المسلم إذا هاجت الفتن يرجع إلى أرضه ويلحق بإبله ويكن مع غنمه وهي أحاديث صحيحة ثابتة منها ما هو في الصحيح ومنها ما هو خارجه.
وهذا الذي علمنا ثبوته في السنة مما يرجع الناس إليه من البلدان عند الفتن وحاصل ذلك:
1- الشام.
2- اليمن.
3- بلد الإنسان الذي خرج منه.
4- راعي الأغنام في البادية ونحو ذلك.
5- وكذلك: مكة والمدينة مما يلجأ إليه من الفتن ويعصم من الشرور
وليعلم المسلم أن الفتن قد تعم المواضع التي قد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنها مأوى من الفتن، فتجتنب الفتن في حال الفتن النازلة بها ومآل الأمر إن شاء الله إلى أمانها وأمان من نزل بها.
هذا ونسأل الله سبحانه أن يصرف عنا وعن سائر المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعل المسلمين في أمن في جميع بلدانهم وأن يهيئ من أمرهم رشدا.
وكتبه/ أبو الحسن علي بن أحمد الرازحي
3/4/1436هـ
وراجعه الشيخ العلامة/
محمد بن عبد الله الإمام